فصل: الخبر عن واقعة موسى بن إبراهيم واستيلاء أبي عنان بعد على قسنطينة وما تخلل ذلك من الأحداث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن واقعة موسى بن إبراهيم واستيلاء أبي عنان بعد على قسنطينة وما تخلل ذلك من الأحداث:

لما استبد السلطان أبو العباس بالأمر وزحفت إليه عساكر بجاية وبني مرين فأحسن دفاعها عن بلده وتبين لأهل الضاحية مخايل الظهور فيه فداخله رجالات من سدويكش من أولاد المهدي بن يوسف في غزو موسى بن إبراهيم وكتائبه المجمرة ببني ياورار ودغوا إلى ذلك ميمون بن علي بن أحمد وكان منحرفا عن أخيه يعقوب ظهير بني مرين ومناصحهم فأجاب وسرح السلطان أخاه أبا يحيى زكريا بينهم بمن في جملته من العساكر وصبحوهم في غارة شعواء فلما شارفوهم ركبوا إليهم فتقدموا ثم أحجموا واختل مصافهم وأحيط بهم وأثخن قائد العسكر موسى بن إبراهيم بالجراحة واستحلم بنوه زيان وأبو القاسم ومن إليهم وكانوا أسود هياج وفرسان ملحمة في آخرين من أمثالهم وتتبعوا بالقتل والنهب إلى أن استبيحوا ونجا فلهم إلى بجاية ولحقوا بالسلطان أبي عنان ولما بلغه الخبر قام في ركائبه وقعد وفتح ديوان العطاء وبعث وزراءه للحشد في الجهات وأعد من الجنود وأزاح العلل وشكا له موسى بن إبراهيم قعود عبد الله بن علي صاحب بجاية عن نصره فسخطه ونكبه وعقد مكانه ليحيى بن ميمون بن مصمود وتلوم بعده أشهرا في تجهيز العساكر وبعث السلطان أبو العباس أخاه أبا يحيى إلى تونس صريخا لعمه السلطان أبي إسحق فأعجله الأمر عن الإياب إليه ارتحل أبو عنان في عساكره ثم بعث في مقدمته وزيره فارس بن ميمون بن ودرار وزجف على أثره في ربيع سنة ثمان وخمسين وسبعمائة وأغذ السير إلى قسنطينة وقد نازلها وزيره ابن ودرار قبله فلما نزل بساحتها وقد طبقوا الأرض الفضاء بجيوشه وعساكره وجم أهل البلد وأدركهم الدهش فانفضوا وتسللوا إليه وتحيز السلطان أبو العباس إلى القصبة فامتنع بها حتى توثق لنفسه بالعهد ثم نزل إليه فلقاه تكرمة ورحبا واسنى له الفساطيط في جواره ثم بدا له لأيام قلائل فنقض عهده وأركبه السفن إلى المغرب وأنزله بسبتة ورتب عليه الحرس وبعث خلال ذلك إلى بونة فدخلت في طاعته وفر عنها عمال الحضرة ولما استولى عقد على قسنطينة لمنصور بن مخلوف شيخ بني بابان من قبيل بني مرين ثم بعث رسله إلى أبي محمد بن تافراكين في الأخذ بطاعته والنزول عن تونس فردهم وأخرج سلطانه المولى أبا إسحق مع أولاد أبي الليل ومن إليهم من العرب بعد أن جهز له العساكر وما يصلح من الآلة والجند وأقام هو بتونس وأجمع أبو عنان النهوض إليه ووفد عليه أولاد مهلهل يستحثونه لذلك فسرح معهم عسكرا في البر لنظر يحيى بن رحو بن تاشفين معطى حشود بني تيربيعين من قبائل بني مرين وصاحب الشورى في مجلسه وسرح عسكرا آخر في الأسطول لنظر محمد بن يسوف المعروف بالأبكم من بني الأحمر من الملوك بالأندلس لهذا العهد فسبق الأسطول وصبحوا تونس وقاتلوها يوما أو بعض يوم وأتيح لهم الظهور فخرج عنها أبو محمد بن تافراكين ولحق بالمهدية واستولت عساكر بن مرين على تونس في رمضان سنة ثمان وخمسين وسبعمائة وحق لهم الظهور فخرج عنها أبو محمد بن تافراكين ولحق يحيى بن رحو بعسكره فدخل البلد وأمضى فيها أوامر السلطان ثم دعاه أولاد مهلهل إلى الخروج لمباغتة أولاد أبي الليل وسلطانهم فخرج معهم لذلك وأقام ابن الأحمر وأهل الأسطول بالبلد في خلال ذلك جاهر يعقوب بن علي بالخلاف لما تبين من نكر السلطان أبي عنان وإرهاف حده للعرب ومطالبتهم بالرهن وقبض أيديهم عن الأتاوات ومسح أعطافه بالمدارة فلم يقبلها فلحق يعقوب بالرمل واتبعه السلطان فأعجزه فعدا على قصوره ومنازلته بالبلد والصحراء فخربها وانتسفها.
ثم رجع إلى قسنطينة وارتحل منها يريد أفريقية وقد نهض المولى أبو اسحق بمن معه من العرب للقائه وانتهوا إلى حصن سبتة ثم تمشت رجالات بني مرين وائتمروا في الرجوع عنه حذرا أن يصيبهم بأفريقية ما أصابهم من قبل فأنفضوا متسللين إلى المغرب ولما خف المعسكر من أهله أقصر عن القدوم إلى أفريقية فرجع إلى المغرب بمن بقي معه وابتع العرب آثاره وبلغ الخبر إلى أبي محمد بن تافراكين بمكان منجاته من المهدية فسار إلى تونس ولما أطل عليها ثار أهل البلد بمن كان عندهم من عسكر بني مرين وعمالهم فنجوا إلى الأسطول ودخل أبو محمد بن تافراكين إلى الحضرة وأعاد ماطمس من الدولة ولحق به السلطان أبو إسحق بعد أن تقدم الأمير أبو زيد في عسكر الجنود والعرب لاتباع آثار بني مرين ومنازلة قسنطينة فاتبعهم إلى تخوم عملهم ورجع أبو زيد إلى قسنطينة وقاتلها أياما فامتنعت عليه فانكفأ راجعا إلى الحضرة ولم يزل مقيما بها إلى أن هلك عفا الله عنه وعنا آمين سنة.
وكان أخوه يحيى بن زكريا قد لحق بتونس من قبل صريخا كما قلناه فلما بلغهم أن قسنطينة قد أحيط بها تمسكوا به فلحق به الفل من مواليهم وصنائعهم فكانوا معه إلى أن يسر الله أسباب الخير والسعادة للمسلمين وأعاد السلطان أبا العباس إلى الأمر من بعد مهلك أبي عنان كما يذكر ومد إيالته على الخلق فطلع على الرعايا بالعدل والأمان وشمول العافية والإحسان وكف أيدي العدوان ورفع الناس والدولة في ظل ظليل ومرعى جميل كما نذكر إن شاء الله.